كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الخطابي: روي أنا لنَّبي صلى الله عليه وسلم: «ودى الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة» وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض.
وقال البيهقي في السنن الكبرى: وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف الرفاء البغدادي، أنبأ أبو عمرو عثمان بن محمد بن بشر، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس وعيسى بن مينا قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، ان أباه قال: كان من أدركت من فقهائنا الذي ينتهي إلى قولهم. منهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد اله بن عتبة، وسليمان بن يسار، في مشيخة جلة سواهم من نظرائهم، وربما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رايًا، وكانوا يقولون: العقل في الخطأ خمسة أخماس: فخمس جذاع، وخمس حقاق، وخمس بنات لبون، وخمس بنات مخاض، وخمس بنو لون ذكور، والسن في كل جرح قل أو كثر خمسة أخماس على هذه الصفة- انتهى كلام البيهقي رحمه الله.
قال مقدية عفا الله عنه: جعل بعضهم أقرب القولين دليلًا قول من قال: إن الصنف الخامس من أبناء المخاض الذكور لا من أبناء اللبون. لحديث عبد الله بن مسعود المرفوع المصرح بقضاؤ النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك. قال: والحديث المذكور وإن كان فيه ما فيه أولى من الأخذ بغيره من الرأي.
وسند أبي داود، والنسائي رجاله كلهم صالحون للاحتجاج. إلا الحجاج بن أرطاة فإن فيه كلامًا كثيرًا واختلافًا بين العلماء. فمنهم من يوثقه، ومنهم من يضعفه.
وقد قدمنا في هذا الكتاب المبارك تضعيف بعض أهل العلم له، وقال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الخطأ والتدليس. قال مقيدة عفا الله عنه: حجاج المذكور من رجال مسلم. واعل أبو داود والبيهقي وغيرهما الحديث بالوقف على ابن مسعود، قالوا: رفعه إلى النًّبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وقد أشرنا إلى ذلك قريبًا.
أما وجه صلاحية بقية رجال السنن فالطبقة الأولى من سنده عند أبي داود مسدد وهو ثقة حافظ. وعند النسائي سعيد بن علي بن سعيد بن مسروق الكندي الكفي وهو صدوق.
والطبقة الثانية عند أبي داود عبد الواحد وهو ابن زياد العبدي مولاهم البصري ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقال. وعند النسائي يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وهو ثقة متقن.
والطبقة الثالثة عندهما حجاج بن أرطاة المذكور.
والطبقة الرابعة عندهما زيد بن جبير وهو ثقة.
والطبقة الخامسة عندهما خشف بن مالك الطائي وثقة النسائي.
والطبقة السادسة عندهما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النًّبي صلى الله عليه وسلم.
والطبقة الأولى عند ابن كاجه عبد السلام بن عاصم الجعفي الهسنجاني الرازي وهو مقبول.
والطبقة الثانية عنده الصباح بن محارب التيمي الكوفي نزيل الري وهو صدوق، ربما خالف.
والطبقة الثالثة عنده حجاج بن أرطاة إلى آخر السند المذكور.
والحاصل أن الحديث متكلم فيه من جهتين: الأولى من قبل حجاج بن أرطاة، وقد ضعفه الأكثر، ووثقه بعضهم، وهو من رجال مسلم. والثانية إعلاله بالوقف، وما احتج به الخطابي من أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «ودى الذي قتل بخيبر من إبل الصدقة» وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض. يقال فيه: إن الذي قتل في خيبر قتل عمدًا وكلامنا في الخطأ. وحجة من قال يجعل أبناء اللبون بدل أبناء المخاض رواية الدارقطني المرفوعة التي قال ابن حجر: غن سندها اصح من رواية أبنا الخاض، وكثرة من قال بذلك من العلماء.
وفي دية الخطأ للعلماء أقوال أخر غير ما ذكرنا. واستدلوا لها بأحاديث أخرى انظهر في سنن النسائي، وأبي داود، والبيهقي وغيرهم.
واعلم أن الدية على أهل الذهب الف دينار، وعلى أهل الورق عشر ألف درهم عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة: عشرة آلاف درهم. وعلى أهل البقر مائتا بقرة. وعلى أهل الشاء ألفا شاة. وعلى أهل الحلل مائتا حلة.
قال أبو داود في سننه: حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، ثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينا، أو ثمانية آلاف درهم. ودية أهل الكتاب يؤمئذ النصف من دية المسلمين.
قال: فكان ذلك كذلك، حتى استخلف عمر رحمه الله تعالى فقام خطيبًا فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها على أهل الذهب ألف دينا، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أل لشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئًا لم يحفظه محمد.
قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: ثنا أبو تميلة، ثنا محمد بن إسحاث قال: ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكر مثل حديث موسى- وقال: وعلى أهل الطعام شيئًا لم أحفظه اهـ. وقال النسائي في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن اأبيه عن جده: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكور».
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومها على أهل القرى أربعمائة دينار، أو عدلها من الورق. ويقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها- هلى نحو الزمان ما كان. فبلغ قيمتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الأربعمائة دينان إلى ثمانمائة دينا أو عدلها من الورق.
قال: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر: على أهل البقر مائتي بقرة. ومن كان عقله في الشاء: ألفي شاة. وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم، فما فضل فللعصبة» وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن يعقل على المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها. وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها».
وقال النسائي في سننه: أخبرنا محمد بن المثنى، عن معاذ بن هانىء قال: حدثني محمد بن مسلم، عن عمروبن دينار (ح) وأخبرنا أبو داود قال: حدثنا معاذ بن هانىء قالك حدثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينا، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قتل رجل رجلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل النَّبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا، وذكر قوله: {إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 74] في أخذهم الدية واللفظ لأبي داود: أخبرنا محمد بن ميموم قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: قضى باثني عشر ألفًا يعني في الدية انتهى كلام النسائي رحمه الله.
وقال أبو داود في سننه أيضًا: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، ثنا زيد بن الحباب، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينا عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلًا من بني عدي قتل. فجعل النَّبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا. قال أبو داود: رواه ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن عباس.
وقال ابن ماجه في سننه: حدثنا العباس بن جعفر، ثنا محمد بن سنان، ثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «جعل الدية عشر ألفًا» قال: وذلك قوله: {وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 74] قال: بأخذهم الدية.
وفي الموطأ عن مالك: أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. قال مالك: فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر، وأهل الورق أهل العراق.
وعن مالك في الموطأ أيضًا: أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين. قال مالك: والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل، ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق، ولا من أهل الذهب الورق، ولا من أهل الورق الذهب.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الأول: جمهور أهل العلم على أن الدية في الخطأ وشبه العمد مؤجلة في ثلاث سنين، يدفع ثلثها في كل واحد من السنين الثلاث.
قال ابن قدامة في المغني: ولا خلاف في أها مؤجلة في ثلاث سنين. فإن عمر وعليًا رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفًا. فاتبعهم على ذلك أهل العلم اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: ومثل هذا يسمى إجماعًا سكوتيًا، وهو حجة ظنية عند جماعة من أهل الأصول، وأشار إلى ذلك صاحب مراقي السعود مع بيان شرط الاحتجاج به عند من يقول بذلك بقوله:
وجعل من سكت مثل من أقر ** فيه خلاف بينهم قد اشتهر

فالاحتجاج بالسكوتي نما ** تفريعه عليه من تقدما

وهو بفقد السخط والضد حرى ** مع مضي مهلة للنظر

وتأجليها في ثلاث سنين هو قول أكثر أهل العلم.
الفرع الثاني: اختلف العلماء في نفس الجاني. هل يلزمه قسط من دية الخطأ كواحد من العاقلة، أو لا.
فمذهب أب حنيفة، ومشهور مذهب مالك: أن الجاني يلزمه قسط من الدية كواحد من العاقلة.
وذهب الإمام أحمد والشافعي: إلى أنه لا يلزمه من الدية شيء، لظاهر حديث أبي هريرةالمتفق عليه المتقدم: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «قضى بالدية على عاقلة المرأة» وظاهره قضاؤه بجميع الدية على العاقلة. وحجة القول الآخر: أن أصل الجناية عليه وهم معينون له. فيتحمل عن نفسه مثل ما يتحمل رجل من عاقلته.
الفرع الثالث: اختلف العلماء في تعيين العاقلة التي تحمل عن الجاني دية الخطأ.
فمذهب الأمام أبي حنيفة رحمه الله: أن العاقلة هم أهل ديوان القاتل إن كان القاتل من أهل ديوان، وأهل الديوان أهل الرايات، وهم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان لمناصرة بعضهم بعضًا، تؤخذ الدية من عطاياهم في ثلاث سنين. وإن لم يكن أهل ديوان فعاقلته قبيلته، وتقسم عليهم في ثلاث سنين. فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسبًا على ترتيب العصبات.
ومذهب مالك رحمه الله- البداءة بأهل الديوان أيضًا. فتؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين. فإن لم يكن عطاءهم قائمًا فعاقلته عصبته الأقرب فالأقرب. ولا يحمل النساء ولا الصبيان شيئًا من العقل.
وليس لأموال العاقلة حد إذا بلغته عقلوا، ولا لما يؤخذ منهم حد. ولا يكلف أغنياؤهم الأداء عن فقرائهم.
ومن لم تكن له عصبة فعقله في بيت مال المسلمين.
والموالي بمنزلة العصبة من القرابة. ويدخل في القرابة الابن والأب.
قال سحنون: إن كان العاقلة ألفًا فهم قليل، يضم إليهم أقرب القبائل إليهم.
ومذهب أحمد والشافعي: أن أهل الديوان لا مدخل لهم في العقل إلا إذا كانوا عصبة. ومذهبهما رحمهما الله: أن العاقلة هي العصبة، إلا أنهم اختلفوا هل يدخل في ذلك الأبناء والآباء؟ فعن أحمد في إحدى الروايتين: أنهم داخلون في العصبة. لأنهم أقرب العصبة.
وعن أحمد رواية أخرى والشافعي: أنهم لا يدخلون في العاقلة. لظاهر حديث أبي هريرة المتفق عليه المتقدم: «أن ميراث المرأة لولدها، والدية على عاقلتها» وظاهره عدم دخول أولادها. فقيس الآباء على الأولاد.
وقال ابن قدامة في المغني: واختلف أهل العلم فيما يحمله كل واحد منهم.
فقال أحمد. يحملون على قدر ما يطيقون. هذا لا يتقدر شرعًا. وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم. فيفرض على كل واحد قدرًا يسهل ولا يؤذي، وهذا مذهب مالك. لأن التقدير لا يثبت إلا بتوقيف. ولا يثبت بالرأي والتحكم. ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها إلى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه يفرض على المسر نصف مثقال. لأنه أقل مال يتقدر في الزكاة فكان معبرًا بها. ويجب على المتوسط ربع مثقال، لأن ما دون ذلك تافه لكون اليد لا تقطع فيه. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لا تقطع اليد في الشيء التافه، وما دون ربع دينار لا تقطع فيه.
وهذا اختيار أبي بكر، ومذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: أكثر ما يحمل على الواحد أربعة دراهم، وليس لأقله حد. اهـ كلام صاحب المغني.
وهو الذي نقل عن أبي حنيفة هو معنى ما قدّمناه عنه لأنّ درهمًا وثلثا في كل سنة من السنين الثلاث أربعة دراهم.
الفرع الرابع: لا تحمل العاقلة شيئًا من الكفارة المنصوص عليها في قوله: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً} [النساء: 92] بل هي في مال الجاني إجماعًا. وشذ من قال: هي في بيت المال.
والكفارة في قتل الخطأ واجبة إجماعًا بنص الآية الكريمة الصريحة في ذلك.